تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : حين يصبح الرقص دواءً والرسم مهدئًا.. العلاج بالفن مساحة آمنة للبوح
source icon

سبوت

.

حين يصبح الرقص دواءً والرسم مهدئًا.. العلاج بالفن مساحة آمنة للبوح

كتب:نهى العليمي

في السنوات الأخيرة ظهرت موجة واسعة من العلاجات النفسية البديلة التي تُمارس في مراكز ثقافية وقاعات للرقص الإيقاعي أو للطبلة، أو جلسات الرسم والألوان، أو داخل دوائر الحكي والتمثيل الارتجالي التي تمنح المشاركين فرصة التعبير والبوح بلا خوف، فلم تعد مواجهة الضغط النفسي مرهونة بالجلوس أمام الطبيب للحصول على المشورة النفسية.

هذه الورش لا تُقدَّم بوصفها علاجًا طبيًا، لكن الناس يتعاملون معها كمساحة آمنة تُخفف عنهم ما لا يستطيعون التعبير عنه في حياتهم اليومية، وقد تحولت تدريجيًا إلى أدوات يلجأ إليها كثيرون لتخفيف الضغوط النفسية المحيطة بنا جميعًا.

دوامة من الضغوط النفسية
تؤكد الأرقام ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية في مصر، وتشير نتائج المسح القومي للصحة النفسية الذي قامت به وزارة الصحة والسكان، ممثلة في الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إلى أن حوالي 25% من المصريين يعانون من أعراض أو اضطرابات نفسية؛ أي أن 1 من كل 4 أشخاص تقريبًا لديه عرض أو اضطراب نفسي.

وتُعد اضطرابات القلق والاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا بين المصريين، كما أظهر المسح القومي أن نسبة ضئيلة جدًا، حوالي 0.4% فقط ممّن يعانون من اضطرابات نفسية، يلجؤون فعليًا للعلاج النفسي عن طريق الطبيب، وهي نسبة تُعد منخفضة للغاية مقارنة بنسبة الانتشار الكلية للمشكلات النفسية.

فهل أصبحت هذه الورش الفنية بديلًا أسرع للعلاج النفسي؟ أم مهربًا من وصمة العلاج النفسي؟ أم أنها مجرد تريند اجتماعي يمنح نتائج شعورية سريعة دون أساس علاجي؟

مكمّلًا وليس بديلاً
يرى الدكتور أحمد طاهر، استشاري الطب النفسي، أن انتشار هذه البدائل ليس دليلًا على فشل العلاج النفسي أو استبداله، بل على القصور في وصوله للناس؛ فهناك فجوة ممتدة بين احتياجات الناس الفعلية وطريقة وصول الخدمة النفسية إليهم، رغم حملات التوعية.

ويضيف: "أنا على يقين أن من يشارك في ورش الرقص أو الحكي للهروب من اضطراب أو ضغط نفسي شديد لم يدخل عيادة نفسية من قبل، ولا يملك تصورًا حقيقيًا عمّا يمكن أن تقدمه الجلسات العلاجية."

هذه الفجوة المعرفية تُفسر جزءًا كبيرًا من تعلق الناس بالبدائل، إضافة إلى حاجز وصمة المرض النفسي الذي ما زال قويًا في المجتمع، خاصة بين الطبقات التي تخشى الاعتراف بوجود اضطراب يستدعي علاجًا طبيًا.

وفي المقابل تمنح الورش الفنية غطاءً اجتماعيًا مقبولًا "أنا أحضر ورشة رسم" أو "جلسة رقص" وهي عبارات لا تحمل أي تهديد لصورة الشخص أمام نفسه أو الآخرين، وهنا تتحول الورشة إلى مساحة آمنة نفسيًا لأنها تخلِّص الفرد من عبء النظر إليه كمريض.

ويشرح د. أحمد أن النتيجة السريعة أهم عناصر الجذب، حركة، ضحك، تفاعل، موسيقى، تعبير حر.. وهي جميعًا تُنشّط الجهاز العصبي وتمنح شعورًا سريعًا بالارتخاء.

لكنّ هذا التحسن الفوري لا يعني تحسنًا عميقًا في جذور المشكلة، فالاضطرابات المعقدة مثل الاكتئاب الحاد، القلق المزمن، اضطرابات الشخصية، والصدمات؛ تحتاج إلى تدخلات علاجية متدرجة تعتمد على بروتوكولات واضحة كالعلاج المعرفي السلوكي، والدعم النفسي، وأحيانًا العلاج الدوائي.

ويؤكد استشاري الطب النفسي، أن هذه الورش نعتبرها أدوات مساعدة لتحسين المزاج وتقليل التوتر وتسهيل الانخراط الاجتماعي، لكنها دعم نفسي عام وليس علاجًا متخصصًا، والمشكلة ليست في الرقص أو الطبلة أو الرسم، بل في أن نسمّي هذه التجارب علاجًا ونطلب منها ما لا تستطيع تقديمه.

أوقات ممتعة ونتائج سريعة
تؤكد الدكتورة إيمان عز الدين، استشاري علم النفس الإكلينيكي ومتخصصة العلاج السلوكي، أن الإقبال على الرقص والرسم والحكي لا يعود فقط للخجل من الطبيب، بل لأنها أنشطة تمنح نتائج شعورية فورية؛ تفريغ، ضحك، حركة، تفاعل، وتقول: "الإنسان المعاصر مرهَق بضغوط العمل، ويبحث عن استراحة نفسية أكثر مما يبحث عن علاج."

وترى أن الجماعات التي تتشكّل داخل الورش تمنح المشاركين شعورًا غائبًا في حياتهم اليومية، الدعم غير المشروط، القبول، وغياب الأحكام الأخلاقية، وهذا يجعل التجربة أقرب إلى طقس جماعي ممتع يوفر دفئًا عاطفيًا يفتقده الكثيرون في محيطهم الأسري أو العملي.

كما تشير إلى أن جزءًا من انتشار هذه الورش مرتبط بثقافة المنصات الرقمية والتريند، حيث تصبح التجربة قابلة للتصوير والمشاركة، بعكس زيارات الطبيب النفسي، فيغدو الانضمام إليها مؤشرًا على أسلوب حياة جديد.

وتقول د. إيمان إن هذه البدائل ليست علاجًا بديلاً للطبيب، لكنها مكمّل صحي يساعد في تقليل التوتر بشرط ألا يحل محل التشخيص والعلاج المهني، لأن الاضطرابات المعقدة تحتاج تدخلات علمية واضحة.

هذه الظاهرة ليست فشلًا للعلاج النفسي، بل انعكاسًا لاحتياجات الناس العاطفية، وغياب الوعي، وجاذبية التجارب الجماعية ونتائجها السريعة.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية